الآثار المحتملة لانتشار فيروس كورونا على التقارير المالية
يواجه العالم حاليا تطورات متسارعة تتعلق بتفشي فيروس كرونا المستجد (كوفيد - 19)، وتسعى الدول ومن ضمنها المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ إجراءات احترازية ووقائية للحد من انتشار الفيروس وتخفيف آثاره، ولعل من أهم الإجراءات الاحترازية المتخذة للحد من انتشاره هو الحد من المخالطة , و التجمعات المتقاربة بين الناس الى اقصى درجة بما في ذلك وقف الاجتماعات والاختلاط في أماكن العمل والتسوق وقد تصل تلك الإجراءات في بعض الأحيان الى فرض منع تجوال كامل. إن مثل هذه الإجراءات على أهميتها قد ألقت بتأثيرها على بيئة الأعمال والناتج العام للمجتمع، الا انه وبالمقابل قامت المملكة بوضع حزم من القرارات والإجراءات للتخفيف من الآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك لمساعدة قطاع الاعمال على تجاوز هذه الجائحة الصحية بأقل قدر من الضرر.
وحيث انه في مثل هذه الظروف تتعدد الاستفسارات حول الآثار المحتملة لهذا الوباء على التقارير المالية، تود الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين التأكيد على أن المعايير الدولية للتقرير المالي المعتمدة في المملكة العربية السعودية مبنية على المبادئ والتي تطلب من الإدارة القيام بقدر من الاجتهاد لتطبيق متطلبات المعايير، ومنها ما يتعلق باستمرارية المنشأة. وفي هذا السياق، ينص المعيار الدولي للمحاسبة رقم (1) على أنه يجب على الإدارة عند إعداد القوائم المالية أن تجري تقييماً لقدرة المنشآة على البقاء كمنشأة مستمرة. ويجب على المنشآة أن تعد القوائم المالية على أساس الاستمرارية ما لم تكن هناك نيه لدى الإدارة لتصفية المنشآة أو إيقاف عملياتها، أو ما لم يكن لديها أي بديل واقعي آخر سوى القيام بذلك. وعندما تكون الإدارة على علم، عند إجرائها للتقييم، بحالات عدم تأكد جوهري، متعلقة بأحداث أو ظروف قد تثير شكوكاً كبيرة حول قدرة المنشآة على البقاء كمنشآة مستمرة، فيجب عليها أن تفصح عن حالات عدم التأكد تلك. وعندما لا تعد المنشآة القوائم المالية على أساس الاستمرارية، فيجب عليها الإفصاح عن تلك الحقيقة، جنباً إلى جنب مع الأساس الذي أعدت عليه القوائم المالية، وسبب أن المنشآة لا تُعَد منشآة مستمرة. كما يطلب نفس المعيار من الإدارة عند تقييمها لما إذا كان افتراض الاستمرارية يُعد مناسباً، أن تأخذ في الحسبان جميع المعلومات المتاحة عن المستقبل الذي يمتد على الأقل إلى اثنى عشر شهراً من نهاية فترة التقرير، دون أن يقتصر على تلك المدة. وتعتمد درجة النظر في تلك المعلومات ومراعاتها على الحقائق القائمة في كل حالة. فعندما يكون لدى المنشآة تاريخ من العمليات المربحة، وسهولة في الوصول إلى الموارد المالية، فقد تتوصل المنشآة إلى استنتاج أن المحاسبة وفقاً لأساس الاستمرارية تعدَّ مناسبة دون إجراء تحليل تفصيلي. وفى حالات أخرى، قد يلزم الإدارة أن تأخذ في الحسبان مجموعة واسعة من العوامل المتعلقة بالربحية الحالية والمتوقعة والجداول الزمنية لسداد الديون والمصادر الممكنة للتمويل البديل قبل أن تتمكن من التوصل إلى قناعة بأن أساس الاستمرارية يُعدّ مناسباً. وفي مثل حالة التأثيرات المحتملة لفيروس كورونا، فإن على الإدارة أن تأخذ المعلومات المستقبلية للاثني عشر شهراً التالية لفترة التقرير على الأقل سواء ما يتعلق بالتأثيرات السلبية للفيروس على سير الأعمال أو القدرة على سداد الديون، أو ما يتعلق بالتأثيرات الإيجابية لحزمة التسهيلات والدعم التي قدمتها الدولة للأعمال التجارية المتأثرة بانتشار الفيروس. ومما ينبغي التأكيد عليه أيضا أن على المنشآة تقييم مدى مناسبة إعداد القوائم المالية على أساس الاستمرارية في الفترة اللاحقة لتاريخ نهاية السنة المالية وقبل نشرها لقوائمها المالية، حيث يجب تطبيق متطلبات المعيار الدولي للمحاسبة رقم (10) بشأن إعداد القوائم المالية في ظل ظهور مؤشرات تمنع المنشأة من افتراض استمرارية الأعمال بعد تاريخ نهاية السنة المالية وقبل نشر القوائم المالية.
إضافة الى ذلك، وعلى الرغم من انه قد يكون لهذه التطورات آثار على استمرارية المنشآة والنتائج المالية المستقبلية والتدفقات النقدية والوضع المالي لها، إلا انه قد لا يمكن حالياً تحديد تلك الآثار بدقة نظراً لعدم وجود معلومات كافية للتنبؤ بها كما في تاريخ اعداد القوائم المالية، عندها يتوجب على المنشآة الإفصاح بالقدر الذي توفرت به تلك المعلومات.
وكما سبقت الإشارة إليه من حيث كون المعايير الدولية للتقرير المالي المعتمدة في المملكة مبنية على المبادئ، فأنه يجب على كل منشآة أن تقيّم الآثار بحسب ظروفها الخاصة، ولا يمكن وضع تقييم عام لكل المنشآت نظراً لاختلاف هياكل التمويل وطبيعة الأعمال وتفاوت التأثير السلبي للفيروس أو التأثير الإيجابي للدعم الحكومي المقدم للمنشآت المتأثرة.
د. احمد بن عبدالله المغامس
أمين عام الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين